کد مطلب:109828 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:152

خطبه 110-در نکوهش دنیا











ومن خطبة له علیه السلام

فی ذم الدنیا

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْیَا، فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرِةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ، وَرَاقَتْ بِالْقَلِیلِ، وَتَحَلَّتْ بِالْآمَالِ، وَتَزَیَّنَتْ بِالْغُرُورِ، لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا، وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا، غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ، لاَ تَعْدُوـ إِذَا تَنَاهَتْ إِلَی أُمْنِیَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِیهَا وَالرِّضَاءِ بِهَا ـ أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَی سُبْحَانَهُ: (كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماَءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ مُقْتَدِراً). لَمْ یَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَة إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً، وَلَمْ یَلْقَ منْ سَرَّائِهَا بَطْناً إِلاَّ مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً، وَلَمْ تَطُلَّهُ فِیهَا دِیمَةُ رَخَاءٍ إِلاَّ هَتَنَتْ عَلَیهِ مُزْنَةُ بَلاَءٍ! وَحَرِیٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِیَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَی، أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَی ! لاَ یَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً، إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً! وَلاَ یُمْسِی مِنْهَا فِی جَنَاحِ أَمْنٍ، إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَی قَوَادِمِ خَوْفٍ! غَرَّارَةٌ، غُرُورٌ مَا فِیهَا، فَانِیَةٌ، فَانٍ مَنْ عَلَیْهَا، لاَ خَیْرَ فی شَیْءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَی. مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا یُؤْمِنُهُ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا یُوبِقُهُ، وَزَالَ عَمَّا قَلِیلٍ عَنْهُ. كُمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِی طُمَأْنِینَةٍ إِلَیْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِی أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِیراً، وَذِی نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِیلاً! سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ، وَعَیْشُهَا رَنِقٌ، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ ! حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ، وَصَحِیحُهَا بَعَرَضِ سُقْمٍ! مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ، وَعَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ. أَلَسْتُمْ فِی مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً، وَأَبْقَی آثَاراً، وَأَبْعَدَ آمَالاً، وَأَعَدَّ عَدِیداً، وَأَكْثَفَ جُنُوداً! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْیَا أَیَّ تَعَبُّدٍ، وَآثَرُوهَا أَیَّ إِیثَارٍ، ثُمَّ ظَعَفُوا عَنْهَا بَغَیْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَلاَ ظَهْرٍ قَاطِعٍ. فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْیَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْیَةٍ ؟ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ؟ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً‍‍! بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بَالْقَوَادِحِ، وَأوْهَنَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرَ، وَوَطِئَتْهُمْ بَالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَیْهِمْ (رَیْبَ الْمَنُونِ)، فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَیْهَا، حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا لَفِرَاقِ الْأَبَدِ. هَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ, أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْكَ, أوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ, أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ, أَفَهذِهِ تُؤْثِرُونَ, أَمْ إِلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ, أَمْ عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ, فَبِئْسَتِ الدَّارُ لَمَنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا، وَلَمْ یَكُنْ فِیهَا عَلَی وَجَلٍ مِنْهَا! فَاعْلَمُوا ـ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ـ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا، وَاتَّعِظُوا فِیهَا بِالَّذِینَ (قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً): حُمِلُوا إِلَی قُبُورِهِمْ فَلاَ یُدْعَوْنَ رُكْبَاناً، وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَلاَ یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ أَجْنَانٌ، وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ، وَمِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ، فَهُمْ جِیرَةٌ لاَ یُجِیبُونَ دَاعِیاً، وَلاَ یَمْنَعُونَ ضَیْماً، وَلاَ یُبَالُونَ مَنْدَبَةً، إِنْ جِیدُوا لَمْ یَفْرَحُوا، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ یَقْنَطُوا، جَمِیعٌ وَهُمْ آحَادٌ، وَجِیرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ، مُتَدَانُونَ لاَ یَتَزَاوَرُونَ، وَقَرِیبُونَ لاَ یَتَقَارَبُونَ، حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ، وَجُهَلاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ، لاَ یُخْشَی فَجْعُهُمْ، وَلاَ یُرْجَی دَفْعُهُمْ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً، وَبِالسَّعَةِ ضِیقاً، وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً، وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً، فَجَاؤُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا، حُفَاةً عُرَاةً، قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَی الْحَیَاةِ الْدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِیَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِینَ).